الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والثاني أنها القائمة سواء كانت على ثلاث أو غير ثلاث قال الفراء على هذا رأيت العرب وأشعارهم تدل على أنها القائم خاصة واحتج ابن قتيبة لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم من سره أن يقوم له الرجال صفونا فليتبوأ مقعده من النار وأما الجياد فهي السراع في الجري وفي سبب عرضها عليه أربعة أقوال أحدها أنه عرضها لأنه أراد جهاد عدو قاله علي بن أبي طالب والثاني أنها أخرجت له من البحر قال الحسن خرجت من البحر وكانت لها أجنحة والثالث أنها كانت لأبيه فعرضت عليه قاله ابن السائب وفي عددها أربعة أقوال أحدها ثلاثة عشر ألفًا قاله وهب والثاني ألف فرس قاله ابن السائب والثالث عشرون ألفًا قاله سعيد بن جبير ومسروق والرابع عشرون قاله إبراهيم التيمي قال المفسرون لم تزل تعرض عليه إلى أن غابت الشمس ففاتته صلاة العصر ولم يذكروه لأنه كان مهيبًا لا يبتدئه أحد بشيء فلما غابت ذكر فقال إني أحببت حب الخير يعني الخيل والمعنى آثرت ذلك على ذكر ربي قال الزجاج عن بمعنى على {حتى توارت} يعني الشمس قال وأهل اللغة يقولون لم يجر للشمس ذكر ولا أحسبهم أعطوا في هذا الفكر حقه لأنه في الآية دليل على الشمس وهو قوله: {بالعشي} والمعنى عرض عليه بعد زوال الشمس ولا يجوز الإضمار إلا أن يجري ذكر أو دليل ذكر قوله تعالى: {ردوها علي} أي أعيدوا الخيل {فطفق} أي أقبل {مسحًا بالسوق} وهي جمع ساق وفي المراد بالمسح قولان أحدهما أنه ضربها بالسيف رواه أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس مسح أعناقها وسوقها بالسيف وهو اختيار الجمهور والثاني أنه كوى سوقها وأعناقها وحبسها في سبيل الله حكاه الثعلبي والعلماء على الأول فإن قيل كيف نختار القول الأول وهي عقوبة لمن لم يذنب على وجه التشفي وهذا بفعل الجبارين أشبه منه بفعل الأنبياء فالجواب أنه نبي معصوم فلم يكن ليفعل إلا ما قد أجيز له فعله وجائز أن يباح له ما يمنع منه في شرعنا على أنه إذا ذبحها كان قربانًا وأكل لحمها جائز فما وقع تفريط قال وهب لما فعل ذلك شكر الله تعالى له فعله فسخر له الريح مكانها قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان} أي ابتليناه بسلب ملكه {وألقينا على كرسيه} أي على سريره {جسدًا} وهو شيطان يقال له صخر ولم يكن ممن سخر له {ثم أناب} أي رجع عن ذنبه وقيل إلى ملكه وفي سبب ابتلائه ثلاثة أقوال أحدها أنه كانت له امرأة وكانت بين بعض أهلها وبين قوم خصومة فقضى بينهم بالحق إلا أنه ود أن لو كان الحق لأهلها فعوقب إذ لم يكن هواه فيهم واحدًا قاله ابن عباس والثاني أن هذه الزوجة كانت آثر النساء عنده فقالت له يومًا إن بين أخي وبين فلانة خصومة وإني أحب أن تقضي له فقال نعم ولم يفعل فابتلي لأجل ما قال نعم قاله السدي والثالث أن هذه الزوجة كانت قد سباها فأسلمت وكانت تبكي الليل والنهار وتقول أذكر أبي وما كنت فيه فلو أمرت الشياطين أن يصوروا صورته في داري أتسلى بها ففعل وكان إذا خرج تسجد له هي وولائدها فلما علم سليمان كسر تلك الصورة وعاقب المرأة وولائدها واستغفر فسلط الشيطان عليه بذلك هذا قول وهب وفي كيفية ذهاب الخاتم قولان أحدهما أنه كان جالسًا على شاطئ البحر فوقع منه قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه والثاني أن شيطانًا أخذه ثم في كيفية أخذه له أربعة أقوال أحدها أنه وضعه تحت فراشه ودخل الحمام فأخذه الشيطان فألقاه في البحر قاله سعيد بن المسيب والثاني أن سليمان قال للشيطان كيف تفتنون الناس قال أرني خاتمك أخبرك فأعطاه إياه فنبذه في البحر قاله مجاهد والثالث أنه وضعه عند أوثق نسائه في نفسه فتمثل لها الشيطان في صورته فأخذه منها قاله سعيد بن جبير والرابع أنه سلمه إلى الشيطان فألقاه في البحر قاله قتادة وأما الشيطان فإنه ألقى عليه شبه سليمان فجلس على كرسيه وحكم في سلطانه إلا أنه كان لا يقدر على نسائه وكان يحكم بما لا يجوز فأنكره بنو إسرائيل فأحدقوا به ونشروا له التوراة فقرأوا فطار من بين أيديهم حتى ذهب إلى البحر وأما سليمان لما ذهب ملكه انطلق هاربًا في الأرض فكان يستطعم فلا يطعم فيقول لو عرفتموني أطعمتموني فيطردونه حتى إذا أعطته امرأة حوتًا شقه فوجد الخاتم في بطن الحوت بعد أربعين ليلة في قول الحسن وقال سعيد بن جبير بعد خمسين ليلة فلما لبسه رد الله عليه ملكه وبهاءه وأظله الطير فأقبل لا يستقبله إنسي ولا جنى ولا طائر ولا حجر ولا شجر إلا سجد له حتى انتهى إلى منزله ثم أرسل إلى الشيطان فجيء به فجعله في صندوق من حديد وأقفل عليه وختم عليه بخاتمه ثم أمر به فألقي في البحر فهو فيه إلى أن تقوم الساعة قوله تعالى: {لا ينبغي لأحد من بعدي} إنما طلب هذا الملك ليعلم أنه قد غفر له ويعرف منزلته بإجابة دعائه ولم يكن حينئذ في ملكه الريح ولا الشياطين {والرخاء} اللينة مأخوذة من الرخاوة و{أصاب} بمعنى قصد فإن قيل قد وصفت في سورة الأنبياء بأنها عاصفة فالجواب أنها كانت تشتد إذا أراد وتلين إذا أراد وكانت الشياطين تغوص في البحر فتستخرج له الدر وتعمل له الصور والجفان القصع الكبار يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها ويأكل من كل قدر ألف رجل وكانت لا تنزل من مكانها فتأملوا إخواني هذا السلطان العظيم كيف تزلزل بالزلل واختلت أموره إذ دخل عليه الخلل فخطؤه أوجب خروجه من المملكة ولقمة آدم كادت توقعه في المهلكة فعليكم بالتقوى فإنها سبيل السلامة فمن أخطأها أخطأته الكرامة.
ألا متيقظ لما بين يديه ألا متأهب للقادم عليه ألا عامر للقبر قبل الوصول إليه يا واقفًا مع هواه وأغراضه يا معرضًا عن ذكر عوارضه إلى أعراضه يا غافلًا عن حكم الموت وقد بت بمقراضه سيعرف خبره إذا اشتد أشد أمراضه وأورده حوضًا مريرًا من أصعب حياضه ونزل به ما يمنعه من اغتماضه واستبدل بانبساط كفه كفه عن انقباضه وأخذت يد التلف بعد إحكامه في انتقاضه وأخرج عن خضر الربى وروضه وغياضه وألقي في لحد وعر يخلو برضراضه وعلم أنه باع عمره بأردأ أعواضه يا من الهوى كلامه وحديثه يا من في المعاصي قديمه وحديثه يا من عمره في المعاصي خفيفه وأثيثه من له إذا لم يجد في كربه من يغيثه آه من قهر لا يرفق بطاشه ومن حريق لا يرحم عطاشه ومن نزول لحد لا يرفع خشاشه عمل المقبول فيه لحافه وفراشه آه من سحاب عقاب رذاذه يردى ورشاشه من يخلصه اليوم من هوى قد أشربه مشاشه كأنكم بالسماء قد انشقت وأذنت لربها وحقت وبأقدام الصالحين قد ترقت وبأيمانهم للصحائف قد تلقت صبر القوم على حصر الحبس فخرجوا إلى روح السعة قال أحمد بن أبي الحوارى قلت لزوجتي رابعة أصائمة أنت اليوم فقالت ومثلي من يفطر في الدنيا وكانت إذا طبخت قدرًا قالت كلها يا سيدي فما نضجت إلا بالتسبيح والتقديس وكانت تقول ما سمعت الأذان إلا ذكرت منادي القيامة ولا رأيت الثلج إلا تذكرت تطاير الصحف ولا رأيت جرادًا إلا ذكرت الحشر وربما رأيت الجن يذهبون ويجيئون وريما رأيت الحور يستترن مني بأكمامهن قال ودعوتها مرة فلم تجبني فلما كان بعد ساعة أجابتني وقالت إن قلبي كان قد امتلأ فرحًا بالله فلم أقدر أن أجيبك قال وكانت لها أحوال شتى فمرة يغلب عليها الحب فتقول: وتارة يغلب عليها الأنس فتقول: وتارة يغلب عليها الخوف فتقول: ويح قلبك ما هذه القسوة أتغلبك وأنت رجل نسوة كانت أم هارون من العابدات تقول إني لأغتم بالنهار حتى يجيء الليل فإذا جاء الليل قمت فإذا جاء السحر دخل الروح قلبي وخرجت إلى بيت المقدس فعارضها سبع فقالت تعال إن كان لك رزق فكل فأقعى السبع ثم عاد وكانت ثويبة بنت بهلول تقول قرة عيني ما طابت الدنيا والآخرة إلا بك فلا تجمع على فقدك والعذاب.قال خشيش الموصلي جاءني كتاب من حمادة العابدة فإذا فيه أبلغ كل محزون بالشام عني السلام أخبرنا عمر بن ظفر أنبأنا جعفر بن أحمد أنبأنا عبد العزيز بن علي بن أنبأنا علي ابن عبد الله بن جهضم حدثنا محمد بن داود الدينوري عن أبي زكريا الشيرازي قال تهت في البادية بالعراق أيامًا كثيرة ولم أجد شيئا أرتفق به فلما كان بعد ثلاثة أيام رأيت في الفلاة خباء شعر مضروبًا فقصدته فإذا فيه بيت وعليه ستر مسبل فسلمت فردت علي عجوز من داخل الخباء وقالت يا إنسان من أين أقبلت قلت من مكة قالت وأين تريد قلت الشام قالت أرى شبحك شبح إنسان بطال هلا لزمت زاوية تجلس فيها إلى أن يأتيك اليقين ثم تنظر هذه الكسرة من أين تأكلها ثم قالت تقرأ شيئًا من القرآن قلت نعم فقالت اقرأ علي آخر سورة الفرقان فقرأتها فشهقت وأغمي عليها فلما أفاقت قرأت هي الآيات فأخذت مني قراءتها أخذًا شديدًا ثم قالت يا إنسان اقرأها ثانية فقرأتها فلحقها مثل ما لحقها في الأول فصبرت أكثر من ذلك فلم تفق فقلت كيف أستكشف حالها هل ماتت أم لا فتركت البيت على حاله ومشيت أقل من نصف ميل فأشرفت على واد فيه أعراب فأقبل إلي غلامان معهما جارية فقال أحد الغلامين يا إنسان أتيت البيت في الفلاة قلت نعم قال وتقرأ القرآن قلت نعم قال قتلت العجوز ورب الكعبة فمشيت مع الغلامين والجارية حتى أتينا البيت فدخلت الجارية فكشفت عن وجهها فإذا هي ميتة فأعجبني خاطر الغلام فقلت للجارية من هذان الغلامان فقالت هذه أختهم منذ ثلاثين سنة لم تأنس بكلام الناس وإذا نزلنا بواد توارى بيتها بالفلاة لئلا تسمع كلام أحد وكانت تأكل في كل ثلاثة أيام أكلة وتشرب شربة. غيره: غيره: غيره:
|